قال الطبيب لمريضه الذي أرهقته كثرة الادوية و الوصفات: لم يعد ينفعك الدواء و لا حل لمرضك الا اجراء عملية جراحية، أعلم أن هذا مؤلم لك و لكن لا سبيل لك للعلاج غير هذا.
ذلك مثل علاج البشر، و لكن علاج رب البشر - و لله المثل الاعلى - هو الـتأديب الالهي مكتوب على بابه: ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، قال الله عز و علا: { قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى . قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } [طه : 49 - 50]. فربنا سبحانه تعالى يربينا لأنه خلقنا للآخرة، خلقنا لجنة عرضها السموات و الارض. فهذه الدنيا أحقر من أن تكون مكافأة أو عقابا لإنسان.
يتحقق العلاج بالتأديب الالهي في أربع مراحل:
أولا: بالهدى البياني، فحكمة الله تقتضي البدء بهداية عباده عن طريق الهدى البياني: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [الأنفال : 23 - 24].
ثانيا: بالتأديب التربوي، فان لم يستجيبوا يخضعهم الله سبحانه و تعالى للتأديب التربوي (ابتلاؤهم بالمصائب): { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [السجدة : 20 - 21].
ثالثا: بالتأديب الاستدراجي، فان لم يستجيبوا يخضعهم الله سبحانه و تعالى للتأديب الاستدراجي (استدراجهم باكرامهم بنعم الدنيا): { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } [الأنعام : 44].
رابعا: بالقصم، فان لم يستجيبوا كان القصم هو العلاج: { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } [الأنعام : 44].و هؤلاء زمرة غير زمرة المؤمنين.
ولذلك فالأفضل للعبد أن يكون خاضعا للتأديب الالهي من أن يكون خارجه، فهو حين يكون خاضعا للتأديب الالهي ينتظره خير كثير. فمصائب المؤمنين هي مصائب دفع و رفع، فالله عز و جل يدفعهم الى بابه: { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [البقرة : 160]، و يرفع مقامهم عنده: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } [البقرة : 155 - 157].
الله سبحانه و تعالى غني عن تعذيبنا لأنه خلقنا للجنة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: { عجب ربنا عز و جل من قوم يقادون الى الجنة في السلاسل } [البخاري و داوود]. كل شيء يصيب المؤمن فيه حكمة ما بعدها حكمة. فاذا أحسن المؤمن فهم المصيبة استفاد منها، و ان لم يحسن فهمها لم ينتفع منها.